الضغط النفسي

تدخل الأضطرابات النفسية في حياتنا اليومية دون اذن منا وتنهك قوانا البدنية والنفسية وتحرف سلوكنا، ولا نجد احدا معصوما من ضغط الحياة اليومية، فقد نجده ينفجر عصبية، او تراه مكتئبا حزينا شارد الذهن يعاني من قلة النوم وكثرة الكوابيس وزيادة الوزن، الى غيره من الأضطرابات التي تثقل كاهلنا وتجعل حياتنا جحيما، وتمنعنا من التمتع بما هو جميل في يومنا، او تمنعنا من ان نعمل بهدوء واطمئنان، او تكوين علاقات انسانية مع من هم حولنا. ومساهمة منا في تبصير الناس بماهية الأضطربات النفسية وكيفية مقاومتها والتخفيف من اثارها المدمرة، نقدم هذه الدراسة التي توضح، بأسلوب سلس يسهل على الجميع الأستفادة منها، ماهية اضطرابات الضغط النفسي واعراضها وكيفية التعامل معها واساليب مقاومتها وتخفيف اثارها كي يتسنى للجميع ان يقضوا ايامهم بأقل معاناة.
ما هو الضغط النفسي
الضغط النفسي هو حالة نفسية وبدنية وشعورية تنتاب البشر جمعيا وفي جميع الأعمار، يختبرها الشخص عندما يشعر بوجود خطر او سبب يعرض استقراره، او وجوده المادي، او الأجتماعي، اولمن يرتبط به بعلاقات اسرية او عاطفية، الى التغير، فهو حالة من الأنهاك النفسي والبدني والشعوري المستمر نتيجة محاولتنا ضبط اوضاعنا النفسية والبدنية والشعورية في مواجهة التغيرات في محيطنا الخارجي. يقول هانس سيلي: ان الضغط النفسي هو رد فعل الانسان للتغيرات التي هي جزء من حياته اليومية. ومعنى ذلك هو، عندما يواجهك امر مشكل وتفهمه على انه خطر يهددك او يهدد من ترتبط بهم بعلاقات حميمة، فيحصل عندك رد فعل لا يمكن ابعاده، و يولد رد الفعل هذا اثارا واضحة على اعضاء بدنك وحالتك العقلية، وتختلف رد الفعل ( الأستجابة لمسسبات الضغط النفسي ) من شخص لأخر استنادا الى مدى صحة او اعتلال حالته النفسية والعقلية وخبراته الحياتية.
ان اي تغير سواء أكان جيدا ام سيئا يولد ضغطا نفسيا عند الأنسان، والضغط النفسي ليس مؤذيا بصورة مطلقة، فالمعتدل منه ضروري لأذكاء دافعية الأنسان في تحيقيق الأهداف التي ينشدها ويجعل حياتنا اكثر غنى، اذ ليس الهدف محوه تماما بل توجيهه للحفاظ على سلامتنا النفسية والبدنية.
الضغط النفسي يكون ايجابيا اوسلبيا، مثال الايجابي، الضغط الناشئ عن التلهف للقاء من نحبه، او الذي ينتاب العروس والعريس في يوم زواجهما، أما السلبي، فيتمثل بجميع انواع الضغوط النفسية عن احداث يتوقع منها الفرد نتائج غير مضمونة أو غير مرغوبة فيها.
مسببات الضغط النفسي كثيرة بعدد مفردات الحياة ولكنها تأتي بمجملها من المصادر الأتية:
1- البيئة المنزلية والاسرية
2- بيئة العمل
3- المحيط الأجتماعي
4- الحالة النفسية والعقلية للشخص نفسه.
وجدت دراسات عديدة ان الضغوط النفسية الشديدة تسبب تقصير عمر الأنسان مثل الضغوط النفسية الناتجة عن الطلاق، او فقدان العمل، او العناية بطفل مصاب بمرض مزمن او اعاقة دائمة وغيرها، فمثلا ان خلايا دم المرأة المعتنية لسنوات طويلة بطفل معوق تهرم بما لا يقل عن عشر سنوات اسرع عن نظيراتها في العمر اللواتي لا يعتنين بأطفال معوقين. كما ان للضغط النفسي علاقة بجميع حالات الموت الناتجة عن امراض القلب، والسرطان، وامراض الرئة، والحوادث، وتليف الكبد، والأنتحار.
تمر ردود افعال الذي يتعرض للضغط النفسي بالمراحل الأتية:
مرحلة التحذير: فبمجرد تعرض الشخص لحدث ما يختبر حالة من الصدمة ملامحها زيادة ضربات القلب، هبوط ضغط الشراين، ارتخاء العضلات، هبوط درجة حرارة الجسم، وضعف عام لنشاط الجهاز العصبي.
مرحلة المقاومة: عندما تتدهور اعضاء الجسم جراء استمرار اسباب الضغط النفسي لفترة طويلة يكيف الجسم وضعه مع حالة التدهور، ويترجم الشخص هذا التكيف بجملة من السلوك مثل التصدي لأسباب الضغط النفسي او الهروب منها.
مرحلة الأنهاك: عندما تستمر اسباب تدهور اعضاء الجسم لفترات طويلة جدا، انذاك يفشل الجسم في مقاومة التدهور مما يسبب مضاعفات تؤدي الى الموت.

اعراض اضطراب الضغط النفسي
عندما تكون مضطربا نفسيا يقوم جسمك بانتاج مزيد من الطاقة ، وتحدث الطاقة الزائدة اضطرابا في توازن اعضاء جسدك
( اعراضا بدنية ونفسية وسلوكية ) وعليه يقوم الشخص المضطرب بتوجيه الطاقة الزائدة بصورة أفعال ( ردود أفعال ) لأعادة توازن جسمه فاذا كانت ردود الأفعال مناسبة للطاقة الزائدة يرجع الجسم والحالة النفسية الى حلتهما الطبيعية ويتلاشى الضغط النفسي.
هناك ثلاثة انواع للضغط النفسي، لكل نوع اعراضه وقد يشترك مع غيره ببعض الأعراض، ولابد من التنويه الى ان المضطرب بسبب الضغط النفسي قد يشكو من جميع اعراض الضغط النفسي او من بعضها، ويرجع السبب في ذلك الى مدى سلامة حالة الشخص النفسية والعقلية، والى خبراته السابقة، كما لابد من التنويه الى ان هناك اضطرابات نفسية وعقلية متعددة تتشابه فيما بينها في عدد من الأعراض، فمثال ذلك ان معظم الذين يعانون من الأضطرابات النفسية والعقلية تظهر عندهم اضطرابات في النوم، او ضعف في التركيز، او ضعف في التفكير.
الضغط النفسي الحاد
ان مسببات الضغط النفسي الحاد هي جميع الأمور الحياتية التي تعيق نمط حياتك، اوتعيق خططتك وروتين حياتك اليومية، فمثلا، الزحام في المواصلات يجعلك مضطربا اذا كان سببا في تأخر وصولك الى مكان عملك و تترتب على تأخرك عواقب مؤذية، أو نسيانك لموعد مهم تترتب عليه عواقب غير مريحة، او اصابة محب لك بمرض طارئ.
ان هذا النوع يصيب جميع الناس وتظهر عليهم الأعراض الأتية او بعض منها:
الأضطرابات الشعورية :
العصبية، القلق، الأرتباك، الأحتصار النفسي ( الحصار النفسي )، الأحباط، نفاذ الصبر.
الأضطرابات البدنية :
الأرهاق، الصداع، ألم الظهر، ألم الفك، الأرتعاش، حرقة في فم المعدة، حموضة المعدة، الأسهال، الأمساك، امتلاء البطن بالغازات، ضغط الدم، خفقان القلب، تعرق راحة الكفين، الدوار، القصور في التنفس، والتشنج العضلي.
الأضطرابات العقلية :
الأرتباك في الفهم، عدم القدرة على التركيز، التردد في اتخاذ القرار، الغفل، خواء التفكير.
2- الضغط النفسي الحاد المتكرر
يعاني المصاب بهذا الأضطراب من ضغوط نفسية متكررة ومن حياة مضطربة جدا، تراه متسرعا وعلى عجالة بالغة وعلى الرغم من ذلك يشعر دائما بانه متأخر، يتصف المصاب بشدة ردود افعاله لأي مسبب للضغط النفسي، وهو سريع الأستثارة وسريع الغضب، مرتبك ويعبربصورة عدائية عن ارتباكه، لا يطيق البقاء في مكان عمله ويعمل على تجنبه اذ يسبب له اضطرابا شديدا، تظهر عليه علامات القلق المستمر، ويرى ان الكارثة تحل به في اية دقيقة وفي اية زاوية، يرى العالم مكان خطر، ويعاني من : صداع شديد، صداع الشقيقة، التوتر الشديد، الم في الصدر، وامراض القلب.
3- الضغط النفسي المزمن :
يعاني المصاب اضطراب الضغط النفسي لفترة طويلة تلازم حياته وغالبا يكون مقترنا بمعاناة المصاب من مشاكل دائمية مثل الفقر، والامراض المزمنة، والتفكك العائلي، والحرمان المزمن وعدم القدرة على توفير احتياجاته.
تظهر الأعراض الأتية او بعضها على المصاب :
فقدان الشهية ،او على العكس منه الأكثار من تناول الطعام وزيادة الوزن، الشعور بعدم الأمان، ضعف النظام المناعي، امراض القلب، ألام مزمنة في المفاصل والظهر والفك والأكتاف، التشائم، الامتعاض، العصبية المفرطة او المزمنة، ضعف التركيز، القرحة، تضائل القدرة على مقاومة مسببات الضغط النفسي، الأكتئاب، الأرهاق المزمن، صداع الشقيقة، الأحتصار النفسي (الحصار النفسي ) المزمن، الأرتباك المزمن، ضعف الأداء في العمل، العزلة، الأتئتة وصعوبات التكلم، البكاء لسبب غير واضح، الأندفاعية الزائدة، الأكثار من تناول الكحول والمخدرات، سهولة تعرضه للفزع، تدني تقديره لذاته، الخوف من الفشل، الخوف من المستقبل، كثرة النسيان.
كيف تواجه اضطرابات الضغط النفسي
يمكنك في معظم الحالات ان تخفف ضغطك النفسي بنفسك دون الحاجة الى الأدوية، وبمقدورك ان تتبع الخطوات الواردة ادناه اوبعضها حسب ما يمليه عليك الموقف المضطرب، او المسبب للضغط النفسي، وقدراتك البدنية وحالتك الصحية العامة. ان بعض هذه الخطوات يزيد من قدرتك على مقاومة الضغوطات النفسية :
1- كن منتبها لكل ما يسبب لك ضغطا نفسيا، انظر حولك ان كنت تستطيع تغيير الأمور التي تسبب لك ضغطا نفسيا.
2- لاحظ بصورة مستمرة ان كنت تعاني من الأعراض المذكورة اعلاه بصورة غير عادية، فاذا لاحظت ذلك فلا تهمل الأمر اطلب مساعدة متخصص نفسي او طبيب نفسي يساعدك على وضع استراتيجيات مناسبة لك لمقاومة الضغط او تخفيف اثره.
3- حدد الأحداث والأشياء والمواقف والأماكن التي تسبب لك اضطرابا، ابعد نفسك عنها.
4- لا تقوم بانجاز اعمال متعددة في وقت واحد، ضع أولويات للأمور المهمة التي يجب انجازها، واترك الباقي لوقت اخر وتعلم كيف تنظم وقتك.
5- اعطي لنفسك فترات الراحة اثناء العمل، غادر مكان العمل ان كان ممكنا.
6- ضع أهدافا واقعية لنفسك، لا تتأثر بالأخرين ولا تقارن نفسك بهم عندما تحدد اهدافك.
7- قلل من شدة ردود افعالك الأنفعالية، واعلم ان رد الفعل المتوتر يأتي من شعورك بوجود خطر ما يهددك، لاحظ ان كنت لا تبالغ في تقديرك للخطر، ولا تجعل اية صعوبة امرا كارثيا.
8- قم بتمارين الأسترخاء ، مثل التأمل، وتأمل في امور ايجابية، ولابأس في ان تتأمل في كيفية حل مشاكلك دون الأستغراق في الجوانب السوداوية منها، قم بتمارين التنفس، خذ ببطئ شهيقا عميقا الى الحجاب الحاجز واحبس شهيقمن 10- 15 ثانية ثم اطلقه ، كرر العملية عدة مرات، التنفس بهذه الطريقة يخفف اضطراب الضغط النفسي.
خذ حماما دافئا فيجعلك اكثر استرخاء ، اقرأ او شاهد اي شيئ ممتع ليس فيه اثارة.
9- ممارسة الرياضة المنتظمة تنمي قدرتك على مقاومة اضطرابات الضغط النفسي، فمارس الرياضة من 3 – 4 مرات اسبوعيا، مثل رياضة المشي، السباحة، الألعاب السويدية، قيادة الدراجة الهوائية ، او اية العاب رياضية اخرى.
10- اهتم بغذائك المتوازن وحافظ على وزنك المثالي.
11- ابتعد عن التناول المفرط للقهوة او اية مشروبات واغذية تحتوي مادة الكافائين وابتعد عن التدخين.
12- اهتم بنومك، النوم هو نصف علاج الأضطرابات النفسية عموما ، يحتاج الأنسان الراشد من 7 – 9 ساعة نوم يوميا، ونوم الليل هو افيد للجسم، حاول ان تلتزم بأوقات ثابتة للنوم والأستيقاظ في جميع الأيام بما فيها نهاية الأسبوع.
13- استبعد اخذ الأدوية الخاصة بالأضطرابات النفسية دون استشارة الطبيب، واعلم ان الكحول والمخدرات لها اعراض جانبية سيئة على اضطرابات الضغط النفسي.
14- نمي ثقتك بنفسك، وحسن نظرتك لذاتك، انظر لنفسك كشخص ذي قيمة وحاول ان تكون فخورا بما تنجزه، واعمل على تصحيح اخطائك.
15- تحدث مع صديق او احد تثق به عن قلقك او مخاوفك او مشكلاتك، واعلم ان كبت المخاوف والقلق وعدم التحدث عنها سيقلل من قدرتك على مقاومة الأضطرابات النفسية، واعلم ان العلاج بالتكلم هو علاج فعال للأضطرابات النفسية.